بر الوالدين وأجره العظيم | فضل بر الوالدين وعقوبة العقوق

‘‘بر الوالدين وأجره العظيم | فضل بر الوالدين وعقوبة العقوق‘‘

بر الوالدين
بر الوالدين وثوابه

‘‘بر الوالدين في القرآن‘‘



بر الوالدين من أهم الفرائض ومن أعظم الواجبات، والله سبحانه وتعالى ذكر ذلك في مواضع كثيرة من كتابه العظيم، مثل قوله سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ۝ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء:24] ومثل قوله سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء:36]، ومثل قوله جل وعلا: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14] وفي آيات كثيرات فيها الحث على بر الوالدين، وفيها الأمر بذلك، وبر الوالدين هو الإحسان إليهما، وطاعتهما، وفعل الخيرات لهما، وقد جعل الله للوالدين منزلة عظيمة لا تعدلها منزلة، فجعل برهما والإحسان إليهما والعمل على رضاهما فرض عظيم، وذكره بعد الأمر بعبادته.

 ‘‘فضل بر الوالدين‘‘



بر الوالدين له فضل عظيم، وأجر كبير عند الله -سبحانه-، فقد جعل الله بر الوالدين من أعظم الأعمال وأحبها إليه، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها). قال: ثم أي؟ قال: (ثم بر الوالدين). قال: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) [متفق عليه]. رضا الوالدين من رضا الله: المسلم يسعى دائمًا إلى رضا والديه؛ حتى ينال رضا ربه، ويتجنب إغضابهما، حتى لا يغضب الله. قال صلى الله عليه وسلم: (رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد) [الترمذي]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله) [البخاري].

‘‘احاديث بر الوالدين‘‘


كان إسماعيل -عليه السلام- غلامًا صغيرًا، يحب والديه ويطيعهما ويبرهما. وفي يوم من الأيام جاءه أبوه إبراهيم -عليه السلام- وطلب منه طلبًا عجيبًا وصعبًا؛ حيث قال له: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات: 102] فرد عليه إسماعيل في ثقة المؤمن برحمة الله، والراضي بقضائه: {قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} [الصافات: 102]. وهكذا كان إسماعيل بارًّا بأبيه، مطيعًا له فيما أمره الله به، فلما أمسك إبراهيم -عليه السلام- السكين، وأراد أن يذبح ولده كما أمره الله، جاء الفرج من الله -سبحانه- فأنزل الله ملكًا من السماء، ومعه كبش عظيم فداءً لإسماعيل، قال تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات: 107].


يحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة ثلاثة رجال اضطروا إلى أن يبيتوا ليلتهم في غارٍ، فانحدرت صخرة من الجبل؛ فسدت عليهم باب الغار، فأخذ كل واحد منهم يدعو الله ويتوسل إليه بأحسن الأعمال التي عملها في الدنيا؛ حتى يفرِّج الله عنهم ما هم فيه، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت أحضر لهما اللبن كل ليلة ليشربا قبل أن يشرب أحد من أولادي، وتأخرت عنهما ذات ليلة، فوجدتُهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما أو أعطي أحدًا من أولادي قبلهما، فظللت واقفًا -وقدح اللبن في يدي- أنتظر استيقاظهما حتى طلع الفجر، وأولادي يبكون من شدة الجوع عند قدمي حتى استيقظ والدي وشربا اللبن، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، وخرج الثلاثة من الغار.

‘‘عقوق الوالدين‘‘


حذَّر الله -تعالى- المسلم من عقوق الوالدين، وعدم طاعتهما، وإهمال حقهما، وفعل ما لا يرضيهما أو إيذائهما ولو بكلمة (أُف) أو بنظرة، يقول تعالى: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا} [الإسراء: 23]. ولا يدخل عليهما الحزن ولو بأي سبب؛ لأن إدخال الحزن على الوالدين عقوق لهما، وقد قال الإمام علي -رضي الله عنه-: مَنْ أحزن والديه فقد عَقَّهُمَا.
جزاء العقوق: عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من كبائر الذنوب، بل من أكبر الكبائر، وجمع بينه وبين الشرك بالله، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...) [متفق عليه].

 ‘‘عقوبة عقوق الوالدين‘‘


كما أن الله -تعالى- يعَجِّل عقوبة العاقِّ لوالديه في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (كل الذنوب يؤخِّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات) [البخاري].كما يرى الشّرع أنّ عقوق الوالدين من أعظم المحرّمات، وأكبر الكبائر التي قد يأتيها الإنسان، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أَرْبَعٌ حَقٌّ على اللهِ أن لا يُدْخِلَهُم الجنةَ، ولا يُذِيقَهم نَعِيمَها: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وآكِلُ الربا، وآكِلُ مالِ اليتيمِ بغيرِ حَقٍّ، والعاقُّ لوالِدَيْهِ)، فكانت الجنة محرّمة على أهل العقوق، وذلك من شدّة الترهيب من ذلك الفعل الشنيع؛ فعقوق الوالدين بأيّ شكلٍ كان يُوصل صاحبه إلى سخط الله -تعالى- وعقابه.


لقد وردت أحاديث كثيرة تتحدّث عن قبح هذا الفعل، وعاقبة أمره على صاحبه، منها: قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من الكبائرِ شتمُ الرَّجلِ والدَيْه، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وهل يشتُمُ الرَّجلُ والدَيْه؟ قال: نعم؛ يسبُّ أبا الرَّجلِ، فيسُبُّ أباه، ويسُبُّ أمَّه، فيسُبُّ أمَّه)، فإذا كان من الكبائر أن يسبّ الرجل أباه، فلا شكّ أنّ إيذاء الرجل لأباه، أو إهانته، أو ضربه، ستكون أعظم في ميزان الله تعالى. لذا فإنّ عقوق الوالدين يعدّ من أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب. 

‘‘التوبة من عقوق الوالدين‘‘


لقد رأى العلماء أنّ الكبائر لا تكفّرها الأعمال الصالحة وإن كثُرت، بل إنّها تحتاج لتوبةٍ صادقةٍ حتى يكفر الله الذنب ويمحوه، وفيما يأتي بيان شروط التوبة من هذه المعصية:

أولاً: الإقلاع عن الذنب، وتركه نهائياً وإن تكرّرت ظروفه.

ثانياً: الندم على ما قدّم الإنسان من سوء.

ثالثاً: عقد العزم على عدم العودة إلى الذنب.

وأمّا مَن كان والديه متوفّيان، فإنّه يتوب توبةً نصوحاً إلى الله -تعالى- عمّا بدر منه في حياة والديه من تقصير، وعليه أن يعلم أنّ من تاب، تاب الله عليه، وعليه أن يكثر من الدعاء، والصدقات، والاستغفار لهما، وقضاء حقوقهما وديونهما؛ فإنّ أجر ذلك يصلهما بإذن الله تعالى والله نسأل أن يغفر لنا تقصيرنا في حقهم.

هناك تعليق واحد: